0Share
مالك بن دينار يحكي توبته
مالك بن دينار يحكي توبته
مالك بن دينار يحكي توبته:
"بدأت حياتي ضائعا سكيراً عاصيا.. أظلم الناس وآكل الحقوق.. آكل الربا.. أضرب الضعفاء.. أفعل المظالم.. لا توجد معصيه إلا وأرتكبتها شديد الفجور يتحاشاني الناس من معصيتي، وفي يوم من الأيام.. اشتقت أن أتزوج ويكون عندي طفلة.. فتزوجت وأنجبت طفلة سميتها فاطمة.. أحببتها حباً شديدًا.. وكلما كبرت فاطمة زاد الإيمان في قلبي وقلّت في نفسي المعصية ولربما رأتني فاطمة أمسك كأسا من الخمر.. فتقترب مني فتزيحه وهي لم تكمل السنتين وكأنها سُيرت لتفعل ذلك.. وكلما كبرت فاطمة زاد إيماني.. وكلما اقتربت من الله خطوة ابتعدت شيئا فشيئاً عن المعاصي.. حتى اكتمل سن فاطمة ثلاث سنوات فلما أكملت سنواتها الثلاث ماتت !!.. نعم ماتت فاطمة.. فانقلبت أسوأ مما كنت ولم يكن عندي الصبر الذي عند المؤمنين يقويني على البلاء.. فعدت أسوأ مما كنت.. وتلاعب بي الشيطان... حتى جاء يوم قال لي شيطاني: لتسكَرن اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل.. فعزمت أن أسكر وعزمت أن أشرب الخمر وظللت طوال الليل أشرب وأشرب وأشرب فرأيتني والأحلام تتقاذفني حتى رأيت تلك الرؤيا.. رأيت يوم القيامة وقد أظلمت الشمس.. وتحولت البحارإلى نار.. وزلزلت الأرض واجتمع الناس إلى واجتمع الناس أفواجا.. وأفواجا.. وأنا بينهم أسمع المنادي ينادي فلان ابن فلان.. هلمّ للعرض على الجبار.. يقول: فأرى فلانا هذا قد تحول وجهه إلي سواد شديد من شدة الخوف حتى سمعت المنادي ينادي باسمي هلم للعرض على الجبار فاختفى البشر من حولي "هذا في الرؤيا".. وكأنه لا أحد في أرض المحشر ثم رأيت ثعبانا عظيماً شديدا قويا يجري نحوي فاتحا فمه فجريت من شدة الخوف فوجدت رجلاً عجوزاً ضعيفاً.. صرخت آه: أنقذني من هذا الثعبان.. فقال لي.. يا بني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن إجر في هذه الناحية لعلك تنجو.. فجريت حيث أشار والثعبان خلفي فوجدت النار تلقاء وجهي.. فقلت: أأهرب من الثعبان لأسقط في النار؟! فعدت مسرعا أجري والثعبان يقترب..فعدت للرجل الضعيف وقلت له: بالله عليك أنجدني.. أنقذني.. فبكى رأفة بحالي.
وقال: أنا ضعيف كما ترى لا أملك أن أفعل لك شيئا ولكن إجر تجاه ذلك الجبل لعلك تنجو.. فجريت ناحية الجبل والثعبان يكاد يتخطفني فرأيت في أعلى الجبل أطفالا صغاراً وسمعت الأطفال كلهم يصرخون: يا فاطمة أدركي أباك.. أدركي أباك فعلمت أنها ابنتي.. ففرحت أن لي ابنة ماتت وعمرها ثلاث سنوات ستنجدني من هول الموقف.. فاجتذبتني بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وأنا كالميت من شدة الخوف.. ثم جلست في حجري كما كانت تجلس في الدنيا فقلت يا بنيتي أخبريني عن هذا الثعبان قالت هذا عملك السيئ أنت كبرته ونميته حتى كاد أن يأكلك أما عرفت يا أبي أن الأعمال في الدنيا تعود مجسمة يوم القيامة؟ قلت: وذلك الرجل الضعيف.. قالت ذلك عملك الصالح.. أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى لحالك لا يستطيع أن يفعل لحالك شيئاً ولولا أنك أنجبتني ومتُّ صغيرة ما كان هناك شيء ينفعك.. ثم قالت لي يا أبت: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].. يقول: فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ: قد آن يا رب.. قد آن يا رب يقول: فاغتسلت وخرجت لصلاة الفجر أريد التوبة والعودة إلى الله فدخلت المسجد فإذا بالإمام يقرأ نفس الآية: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ ﴾.
فوا أسفاه عليك يا قلبي...
كم تذنب ولا تتوب؟.. كم قد كُتبت عليك ذنوب؟.. خل الأمل الكذوب.. فرُبَّ شروق بلا غروب.. قل لي بربك.. متى ترجع إلى الله.. متى تؤوب؟
فيا قلبي الغارق في أوحال الذنوب: هذا شلال البركات يتفجر من عند الرحمن ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42].